امرأة من أهل الجنة ..!!
نعم عرف التاريخ أم شريك ..
وعرف أيضاً .. الغميصاء .. أم أنس بن مالك ..
التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري : دخلت الجنة فسمعت خشفة بين يدي فإذا هي الغميصاء بنت ملحان ..
امرأة من أعجب النساء ..
عاشت في بداية حياتها كغيرها من الفتيات في الجاهلية .. تزوجت مالك بن النضر ..
فلما جاء الله بالإسلام.. استجابت وفود من الأنصار .. وأسلمت أم سليم .. مع السابقين إلى الإسلام ..
وعرضت الإسلام على زوجها فأبى وغضب عليها ..
وأرادها على الخروج معه من المدينة إلى الشام .. فأبت وتمنعت ..
فخرج .. وهلك هناك ..
وكانت امرأة عاقلة جميلة فتسابق إليها الرجال ..
فخطبها أبو طلحة قبل أن يسلم فقالت :
أما إني فيك لراغبة .. وما مثلك يرد .. ولكنك رجل كافر .. وأنا امرأة مسلمة .. فإن تسلم فذاك مهري .. لا أسأل غيره ..
قال : إني على دين ..
قالت : يا أبا طلحة .. ألست تعلم أن إلهك الذي تعبده خشبة نبتت من الأرض نجرها حبشي بني فلان ؟
قال : بلى .. قالت : أفلا تستحي أن تعبد خشبة من نبات الأرض نجرها حبشي بني فلان ؟ يا أبا طلحة ..
إن أنت أسلمت لا أريد من الصداق غيره ..
قال: حتى أنظر في أمري .. فذهب ثم جاء إليها .. فقال : أشهد أن لا إله إلا الله.. و أن محمدا رسول الله..
فاستبشرت .. وقالت : يا أنس زوج أبا طلحة .. فتزوجها ..
فما كان هناك مهر قط أكرم من مهر أم سليم : الإسلام ..
انظري كيف أرخصت نفسها في سبيل دينها ..
وأسقطت من أجل الإسلام حقها ..
نعم .. فتاة تعيش لأجل قضية واحدة هي الإسلام .. كيف ترفع شأنه .. وتعلي قدره .. وتهدي الناس إليه ..
بل .. حينما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة .. استقبله الأنصار والمهاجرون فرحين مستبشرين ..
ونزل صلى الله عليه وسلم في بيت أبي أيوب .. فأقبلت الأفواج على بيته لزيارته صلى الله عليه وسلم ..
فخرجت أم سليم الأنصارية من بين هذه الجموع.. وأرادت أن تقدم لرسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً .. فلم تجد أحب إليها من فلذة كبدها ..
فأقبلت بولدها أنس .. ثم وقفت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم .. فقالت :
يا رسول الله هذا أنس يكون معك دائماً يخدمك .. ثم مضت ..
وبقي أنس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يخدمه صباحاً ومساء ..
ليلة مع أم سليم ..!!
لم تكن أم سليم تتصنع البذل أمام الناس وتنساه في نفسها .. وإنما العجب حالها في بيتها .. من عناية بزوجها .. ورضا بقسمة ربها ..
تزوجت أم سليم أبا طلحة .. ورزقت منه بغلام صبيح .. هو أبو عمير ..وكان أبو طلحة يحبه حباً عظيماً ..
بل كان صلى الله عليه وسلم يحبه .. ويمر بالصغير فيرى معه طيراً يلعب به .. اسمه النغير .. فكان يمازحه ويقول: يا أبا عمير ما فعل النغير ؟
فمرض الغلام .. فحزن أبو طلحة عليه حزناً شديداً .. حتى اشتد المرض بالغلام يوماً ..
وخرج أبو طلحة في حاجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتأخر عنده ..
فازداد مرض الغلام ومات .. وأمه عنده ..
بكى بعض أهل البيت .. فهدأتهم وقالت : لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه ..
فوضعت الغلام في ناحية من البيت وغطته .. وأعدت لزوجها طعامه ..
فلما عاد أبو طلحة إلى بيته .. سألها : كيف الغلام ؟
قالت : هدأت نفسه .. وأرجو أن يكون قد استراح ..
فتوجه إليه ليراه .. فأبت عليه وقالت : هو ساكن فلا تحركه ..
ثم قربت له عشاءه فأكل وشرب .. ثم أصاب منها ما يصيبه الرجل من امرأته ..
فلما رأت أنه قد شبع واستقر .. قالت : يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوماً أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم ؟ قال : لا ..
قالت : ألا تعجب من جيراننا ؟ قال : وما لهم ؟!
قالت : أعارهم قوم عارية .. وطال بقاؤها عندهم حتى رأوا أن قد ملكوها .. فلما جاء أهلها يطلبونها .. جزعوا أن يعطوهم إياها ..
فقال : بئس ما صنعوا ..
فقالت : هذا ابنك .. كانت عارية من الله .. وقد قبضه إليه .. فاحتسب ولدك عند الله ..
ففزع .. ثم قال : والله .. ما تغلبيني على الصبر الليلة .. فقام وجهز ولده ..
فلما أصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره .. فدعا لهما بالبركة ..
قال راوي الحديث : فلقد رأيت لهم بعد ذلك في المسجد سبعة أولاد كلهم قد قرأ القرآن ..
فانظري كيف ارتفعت بدينها .. عن شق الجيوب.. وضرب الخدود.. والدعاء بالويل والثبور ..
هل رأيتم امرأة توفى ابنها .. بين يديها .. وتقوم بخدمة زوجها .. وتهيئ له نفسها ..
بل هل رأيت ألطف من لطفها .. أو ألين من طريقتها ..
إنها ملكة
د. محمد بن عبد الرحمن العريفي
اخوكم الفارس الماسي