بعد رحلة الإدمان ..
مات ساجدا للرحمن
شاب كان مسرفاً على نفسه بالمعاصى والآثام ... ومن كثرة معاصية أنه كان لا يتوانى عن فعل أى معصية ... يتعاطى المخدرات ويفعل الفواحش ... بل وصل الأمر إلى أنه كان يضرب أمه وأبيه .
فلما إستحالت العشرة بينه وبين أسرته جعلوا له غرفة فى السطح يعيش فيها وحده بعيداً عنهم .وفى يوم من الأيام يتعاهد أربعة من الأخوة الصالحين أن يأتوا إلى هذا الشاب العاصى لينصحوه ... فصعدوا إلى غرفته فوجدوه سكراناً فاقد العقل فجلسوا معه وحاولوا أن يكلموه لكنه لا يشعر بهم ... جلسوا معه حتى أفاق قليلاً ثم بدأوا يُذكروه برحمة الله وبالجنة والنار فإذا به يبكى ويقول : والله ما سمعت من قبل هذا الكلام فأريد أن آتى معكم .
فذهبوا به معهم وكانوا مسافرين فسافروا خارج المدينة التي هو فيها ونزلوا فى أحد المساجد وكان هذا الشاب معهم معلناً توبته إلى الله لكنه كان ما يزال يعانى من أثر المخدرات حتى أنه صاح بهم فى الليل : قوموا فأربطونى بالحبل فإني أخشى أن أخرج لأبحث عن المخدرات .
قالوا له : هيا نذهب بك إلى المستشفى قال : لا بل أربطونى .
فربطوه ربطاً شديداً ومع ذلك استطاع أن يتخلص من ذلك القيد وجلس يبكى بجوارهم من شدة الألم .
واستمر على تلك الحالة خمسة عشر يوماً وهو يعانى من ألم التخلص من المخدرات ... لكنه صادق فى توبته ... نحسبه كذلك ولا نزكى على الله أحداً .
وبعد خمسة عشر يوماً أراحه الله من آثارها.
وذهبوا به إلى المستشفى فلما أجرى الطبيب بعض التحاليل وإذا به يقول : لا يمكن أن يكون هذا الرجل قد تعاطى المخدرات من قبل .
ومكث هذا الشاب ثلاثة أشهر غائباً عن أهله ... وأهله لم يسألوا عنه لأنهم يئسوا منه فظنوا أنه قُبض عليه أو أنه مات فى حادث ليستريحوا من أذاه .
وبعد ثلاثة أشهر يذهب إلى منزل أسرته ويقرع الباب فتفتح له أمه لترى أبنها الذي أختفى منذ ثلاثة أشهر ... تراه وقد تغير وجهه وزادت هيئته بهاءً وجمالاً ووقاراً فأقبل على أمه ليعانقها ويُقبل رأسها ويبكى ويطلب منها أن تسامحه فقالت أمه : سامحتك يابنى .
فقال لها : يا أماه أشتهى أن آكل طعاماً من صنع يديك ... فقامت الأم تصنع له طعاماً ... فقام وكبر للصلاة وقرأ وركع ورفع وسجد وأطال السجود وجاءت أمه بالطعام لترى ولدها ساجداً فأخذت تبكى بكاءً شديداً فرحاً بهداية ولدها لكن أبنها أطال السجود ثم أطال وأطال فى السجود ... فنادت عليه أمه فلم يجبها ... أخذت تحركه فإذا به قد مات ساجداً .
دخل جيرانه ودخل أهله ليروا هذا الشاب الذي كان فى غاية الإجرام والفساد ... وإذا به يموت ساجداً ... فتشوا جيبه وأخرجوا أوراقه وإذا فيها وصيته أنه إذا مات فعلى أمه أن تخيط له الأكفان وأن يحمل جنازته شباب الحى الذين كان يعرفهم قبل الإلتزام حتى يتوبوا إلى الله وأن يكون الذى يدفنه أبوه .
مقتطف من كتاب "ساعة و ساعة" لفضيلة الشيخ محمود المصري