السؤال
هل يجوز مجالسة النصارى والتحدث معهم والسماع إلى مشاكلهم ومحاولة حلها والوقوف معهم؟ ا
لفتوى الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن معاملة أهل الكتاب - ومنهم النصارى- يختلف حكمها باختلاف طبيعتها وما يقصد منها،فإن كان المقصود بالمعاملة مجالستهم والاستئناس بهم، وتجاذب أطراف الحديث معهم، وما شاكل ذلك فهذا لا يجوز،لأنه من ولائهم وصحبتهم، وقد نهانا الله تعالى عن ذلك في قوله سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) [المائدة: 51].
ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة أنهم جالسوهم بهذا الاعتبار.
وكذا الحال بالنسبة لمشاركتهم في أعيادهم ومناسباتهم الدينية، والإهداء إليهم، فهذا كله من موالاتهم وتأييدهم، والاعتراف بعقائدهم الباطلة، ولم يفعله صلى الله عليه وسلم، ولا الصحابة رضوان الله عليهم.
أما التعامل معهم بما أباح الشرع في قضاء المصالح التي يحتاجها المسلم، ولا تترتب عليها مفسدة، مثل: البيع والشراء - فيما أحل الله- فإن ذلك جائز، فقد أخرج أحمد والنسائي والحاكم وصححه وأقره الذهبي: "أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي سلعة إلى ميسرة".
وأخرج الشيخان: "أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاماً إلى أجل ورهنه درعه"، كما أخرج البخاري: "أنه صلى الله عليه وسلم: زارعهم وساقاهم"، وأنه أكل من طعامهم".
وكذا تجوز عيادة مرضاهم لعرض الإسلام عليهم، فقد روى البخاري: "أنه صلى الله عليه وسلم عاد غلاماً يهودياً يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، ودعاه إلى الإسلام، فأسلم الغلام".
كما روى الشيخان: "أنه صلى الله عليه وسلم عاد عمه أبا طالب لما حضرته الوفاة، ودعاه إلى شهادة أن لا إله إلا الله".
وأما حل مشاكلهم فيجوز -إن طلبوا هم ذلك- ويكون حل هذه المشاكل على وفق شريعتنا الإسلامية إن رضوا ...السؤال:
هل يجوز لمسلمة أن تتخذ كافرة صديقة لها إذا كانت محتشمة ومؤدبة جدّاً دون إهمال دينها ؟ .
وهل هناك عقوبة شديدة إذا فعلت هذا ؟ .
الجواب:
الحمد لله
لا شك أن مصاحبة المسلمة للكافرة مضرة لها في دينها ، والكافرة لا تتخلق بما تتخلق به المسلمة ولا تَدين لله تعالى بدين الإسلام ، وعليه فإنها لا تتورع عن فعل ما يضر هذه المسلمة التي قد تغتر باحتشام أو أدب هذه الكافرة خاصة ما يضر في الدين .
كما أن مصادقتها والأنُس معها قد تولد في القلب نوعاً من الرضا ببعض ما تؤديه من شعائر دينها وتُضعف البراءة والمعاداة في الله .
بل قد تقود بعض الجهلة إلى عدم الرضا بحكم الله تعالى على الكفار بالكفر والخلود في النار والعياذ بالله تعالى .
ومن هنا قال النَّبي صلى الله عليه وسلم " لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامَك إلا تقي " رواه الترمذي ( 2395 ) وأبو داود ( 4832 ) ، وصححه ابن حبان ( 2 / 314 ) وحسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 7341 ) .
ولا نعني بهذا المقاطعة التامة بين المسلمة والكافرة بل لها أن تزورها وتعودها وتهديها هدايا – من غير مودة قلبية ولا مشاركة في أعيادهم - ، وعلى الأخت المسلمة أن تقصد في مثل هذه الزيارة والهدايا دعوة هذه الكافرة للإسلام ، وقد فعل ذلك نبيُّنا صلى الله عليه وسلم ، وفي ذلك حديثان :
1. عن سعيد بن المسبب عن أبيه قال : لما حضرت أبا طالب الوفاةُ دخل عليه النَّبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية ، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم : أي عم قل لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله ، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية : يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم : لاستغفرن لك ما لم أنه عنك ، فنزلت { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم } التوبة / 113 .
رواه البخاري ( 4398 ) ومسلم ( 24 ) .
2. عن أنس رضي الله عنه قال : كان غلام يهودي يخدم النَّبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النَّبي صلى الله عليه وسلم يعودُه فقعد عند رأسه ، فقال له : أسلِم ، فنظر إلى أبيه وهو عنده ، فقال له : أطع أبا القاسم صلَّى الله عليه وسلم فأسلَم ، فخرج النَّبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول : الحمد لله الذي أنقذه من النَّار . رواه البخاري ( 1290 ) .
وقد أذن النَّبي صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت أبي بكر باستقبال أمها المشركة ، وأهدى عمر رضي الله عنه أخاه المشرك ثوباً .
فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : قدمتْ عليَّ أمِّي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي راغبة أفأصِلُ أمِّي ؟ قال : نعم صِلِي أمَّكِ . رواه البخاري ( 2477 ) ومسلم ( 1003 ) .
ومعنى " راغبة " : أي : راغبة في بر ابنتها .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : رأى عمر بن الخطاب حلة سيراء عند باب المسجد فقال : يا رسول الله لو اشتريتَها فلبستَها يوم الجمعة وللوفد ، قال : إنَّما يلبسها من لا خَلاق له في الآخرة ، ثم جاءت حُلَل فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر منها حلة ، وقال أكسوتنيها وقلت في حلة عطارد ما قلت ؟ فقال : إني لم أكسكها لتلبسها ، فكساها عمر أخا له بمكة مشركاً .
رواه البخاري ( 2470 ) ومسلم ( 2068 ) .
قال الشيخ صالح الفوزان :
زيارة الكفار من أجل دعوتهم إلى الإسلام لا بأس بها ، فقد زار النبي صلى الله عليه وسلم عمَّه أبا طالب وهو يحتضر ودعاه إلى الإسلام ، وزار اليهودي ودعاه إلى الإسلام .
أما زيارة الكافر للانبساط له والأنس به فإنها لا تجوز لأن الواجب بغضهم وهجرهم ، ويجوز قبول هداياهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبِل هدايا بعض الكفار ، مثل هدية المقوقس ملك مصر ، ولا تجوز تهنئتهم بمناسبة أعيادهم لأن ذلك موالاة لهم وإقرار لباطلهم . " المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( 1 / 255 ) .
والله أعلم...اللهم ان يتم نعمة الاسلام علينا ......ونكن دائما في خدمة الاسلام اخوكم العبد الفقير