الكيان الصهيوني "الديمقراطي المسالم" الذي يتمجد به أهل الغرب يعمل على سن قانون يحظر نشاطات تذكّر نكبة أهل فلسطين وشعبها المهجّر المشرّد، ويضع عقوبة تصل إلى الحبس ثلاث سنوات على كل من يقوم بنشاطات من هذا القبيل، أو يشارك فيها. هذا قانون غريب وعجيب يصعب أن نجد مثيلا له لدى الأمم التي تستنشق ولو نسمة بسيطة من الحضارة والأخلاق.
معروف عبر التاريخ أن الظالمين والاستبداديين والطغاة يمنعون الناس من الاحتجاج على سياسات، أو معارضة سياسات، ويكممون أفواه الناس حتى لا يكونوا قادرين على الانتقاد أو التحليل أو التعبير عن أنفسهم بحرية، لكن أن تقوم دولة بمنع الناس عن التعبير عن آلامهم وأحزانهم فهذا أمر لم يأت به لا الأولولون ولا الآخرون، فقط هذا إبداع صهيوني يندرج تحت مسلسل البغي والعدوان المستمرين ضد شعب فلسطين في كافة أماكن تواجده.
نكبة شعب فلسطين هي عنوان الآلام والأحزان المستمرة التي يعيشها الشعب الفلسطيني على مدى عشرات السنين، وهي الظلم المستمر الذي تتلذذ على مشهده أمم ودول كثيرة، وكأنها لا تجد سبيلا للتعبير عن ساديتها وبؤس أخلاقها إلا من خلال الجراح الفلسطينية. هذه النكبة تعيش في عمق كل نفس فلسطينيية، وهي التاريخ الذي يجسد الوعي الفردي والوعي الجمعي، وهي القصة التي يجد الفلسطيني نفسه من خلالها فيبلورها في داخله إلى رؤية وهوية وتطلع نحو المستقبل.
لأول مرة على طول أيام دراستي وتدريسي أرى قانونا يعاقب تذكر الأحزان والآلام ويمنع الناس من إحياء ذكرياتهم المؤلمة. إنه على شاكلة أمر عسكري يصدر لشخص يمنعه من إحياء ذكرى والده الذي توفي منذ سنوات، أو يمنع امرأة ثكلى تزور القبر للنحيب قليلا على من فقدت، أو يضع يتيما في قفص الحديد لأنه يتذكر أباه الذي قتلته العصابات الصهيونية.أين في هذا العالم يمكن أن نجد قانونا من هذا القبيل غير الكيان الصهيوني؟
والمشكلة تبقى أن بعض الفلسطينيين والعرب يرون أن محاولة إقامة سلام مع مثل هذه العقليات المتخلفة والحاقدة يجب أن تبقى مستمرة، والسعي نحو سلام مع عصابات همجية يبقى مهما وضروريا. إسرائيل تؤكد على مدى تاريخها القصير، ومعاناة شعب فلسطين الطويلة أنها لا تستطيع الاستمرار إلا باستمرار معاناة الشعب، ولا تقوى على إثبات تميزها إلا بالمزيد من أساليب ووسائل التنكيل بالشعب الفلسطيني.